سبق وأن نقلت لكم قصّة للإمام أبو حنيفة رحمه الله اتضحت فيها قوّة حجته والتي أعتقد أنها ليست نابعة من اتساع علمه فقط , بل من اقتناعه أيضاً وحبه لما يقول .. وهذه قصّة أخرى :
ذهب الإمام أبو حنيفة لتأدية مناسك الحج وقابل هناك الإمام محمد الباقر وهو من آل بيت النبي محمد عليه الصلاة والسلام , والذي وجّه له كلاماً في منتهى الشدّة فقال له : ” أنت الذي غيّرت دين جدّي فقدّمت القياس على أحاديث جدي ؟ ” .. فقال أبو حنيفة : ” ما فعلت ! ” .. قال الإمام محمد الباقر : ” بل فعلت ” .. فقال له أبو حنيفة : ” يا إمام هلا جلست حيث تحب حتى أجلس حيث أحب ؟ ” .. فجلس الإمام محمد على ما يشبه الكرسي , فجاء أبو حنيفة وقال له : ” أنت جلست حيث تحب وأنا أجلس على الأرض حيث أحب أن أكن بين يديك ” .. ثم جلس كلاهما أمام بعضهما البعض وقال أبو حنيفة : ” يا إمام , أنت تقول إنني غيّرت دين جدك بالقياس بالرأي وتركت حديثه ” .. قال : ” نعم فعلت ” .. .. فقال : ” يا إمام أسألك ثلاثة أسئلة .. .. “
– ” أيهما أضعف .. الرجل أم المرأة ؟ “
فقال محمد الباقر : ” المرأة أضعف .. ! “
قال : ” في دين جدّك صلى الله عليه وسلّم أيهما أقل من الآخر .. ميراث الرجل أم ميراث المرأة ؟ “
قال له : ” المرأة نصف الرجل ” ..
فقال : ” فلو كنت أعمل بالرأي وأترك حديث جدّك ودين جدّك .. لقلت المرأة أضعف فتستحق ضعف ما يستحق الرجل , ولكني لم اقل ذلك لأن حديث النبي مقدّم عندي على رأيي ” ..
– ” أيهما أعظم عند الله .. الصلاة أم الصيام ؟ “
فقال الإمام محمد : ” الصلاة ” ..
قال : ” يا إمام .. المرأة في رمضان يفوتها صلاة وصيام .. بما أمرها جدّك صلى الله عليه وسلم أن تقضي ؟ “
قال : ” الصيام .. “
فقال : ” فلو كنت أجتهد برأيي وأترك حديث النبي لقلت الصلاة أفضل .. فتقضي الصلاة ولا تقضي الصيام .. لكني لم أفعل ذلك وقلت كما قال جدّك تعيد الصيام ولا تعيد الصلاة .. ! “
– ” أيهما أكثر نجاسة .. البول أم النطفة ؟ “
فقال : ” في دين جدّي البول أنجس ” ..
فقال : ” يا إمام لو كنت آخذ بالرأي وأجتهد وأترك حديث النبي لقلت البول نغتسل منه والنطفة نتوضأ منها .. !! لكني قلت كما قال جدّك فلم أغيّر بالرأي يا إمام , وإنما فعلت ما فعلت يا إمام لأن العراق كل يوم الناس تكون في جديد .. فأردت أن أحمل الناس لدين جدّك “
فقام الإمام محمد باقر وقبّل رأس أبو حنيفة ..
:
القصة من كتاب : دعوة للتعايش / عمرو خالد